من الشخصيات البارزة في بلدية سلمانة
الشيخ سي عبد الرحمان بن الطاهر طاهيري
هو الشيخ عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن علي بن قويدر النائلي من عرش أولاد الاعور، وأمه صالحي سلمى بنت الصالح.
ولد سنة 1874م بالمنطقة المسماة ضاية زخروفة حوالي 50كم شرق مدينة مسعد، وقد عاش وترعرع في كنف أبيه وعميه الشيخان سي يوسف وسي الطاهر فهو من العائلة الطاهيرية صاحبة الزاوية المشهورة في ولاية الجلفة، والكثير من الناس ينسبونه إلى عمه بقولهم ” سي عبد الرحمن بن سيدي الطاهر” والحق غير ذلك فالشيخ سي الطاهر لم يخلف ولكن هو الأكبر في إخوته وهو من أسس الزاوية الطاهيرية ببلدية سلمانة، ونظرا لقَدره ومكانته نُسبت ذرية أخويه إليه وهو ما يعرف بالعائلة الطاهيرية التي تحمل اسمه إلى اليوم وهي عائلة كبيرة وعريقة.
أما عن طفولته ونشأته فقد تربى في البيت الكبير مع أعمامه وكانت الزاوية آنذاك تحفظ القرآن الكريم وتدرس الفــقه واللغة العربية خاصة وأن الجزائر كانت في تلك الفترة ترزح تحت وطأة الاستعمار الفرنسي الذي أراد أن يطمس الهوية الإسلامية والعربية بأن يجعلها مقاطعة فرنسية لأجل ذلك وجدت الزوايا لتلعب هذا الدور الرائد.
وتعلم التصوف من شيخه سي محاد بن بلقاسم ليعود بعد ذلك إلى الديار، وإن لم يكن لعائلته آنذاك منزل تستقر به وإنما كانت الزاوية تنتقل في رحلتي الشتاء والصيف بين الصحراء والتل.
التي تتبع الطريقة الرحمانية، وكانت له مساجلات ومناظرات مع بعض العلماء والمشائخ خاصة في تقرت ونواحــيها.
تزوج الشيخ سي عبد الرحمن أكثر من زوجة وأنجبن له ذرية وله عائلة كبيرة الجذور اليوم، ولعل أشهر أبنائه الشيخ المسعود والشيخ سي عمر والشيخ سي عثمان والشيخ سي بوبكر والشيخ سي محمد رحمهم الله جميعا.
مما اشتهر به الشيخ سي عبد الرحمن هو رفضه المطلق للمستعمر في الجزائر وفي غيرها من البلدان الإسلامية وكان له باع وكفاح طويل امتد طول حياته واختتمها بالشهادة في سبيل الله لأجل هذا الهدف، حيث في مطــــــلع القرن العشرين قام بمراسلة الملك الشيخ السنوسي في ليبيا يدعوه إلى الجهاد والنهوض من أجل توحيد القوى لطرد المستعمر من بلاد المغرب العربي وأرسل الرسالة مع سي المبروك بن هبال من رفقة أولاد لخضر الذي سلم الرسالة شخصـيا للشيخ السنوسي وقام بالرد عليه بأن الوقت لم يحن بعد، وهاته الرسالة كانت موجودة عند الشيخ سي محمد الطيب في مكتبته بواد الجدي إلى غاية سنة 1956م حيث وقعت للشيخ مشاكل مع فرنسا لتأييده للثورة ولجيش التحرير فأحرقت مكتبته وفيها الرسالة، ثم راسل الشيخ سي عبد الرحمن أيضا الشيخ المجاهد والمقاوم عبد الكريم الخطابي بالمغرب يدعوه لما دعا إليه الشيخ السنوسي في سنة 1914م وغداة اندلاع الحرب العالمية الأولى قامت فرنسا بالتجنيد الإجباري للجزائريين وذلك لإشراكهم في الحرب كما قامت بفرض ضرائب مجحفة عليهم، فكان الشيخ سي عبد الرحمن من الأوائل الذين عارضوا هــذه السياسة ودعا إلى محاربة فرنسا وطردها، وبسبب هذا الموقف من فرنسا سُجن في الجلفة ثم فُرضت عليه الإقامـة الجبرية في نفس المكان وعفي عنه لكنه بقي في سياسته المناهضة لفرنسا فَسُجن ببسكرة ثم الجزائر وأطلق سراحه ولما استمر على موقفه نُفي إلى المغرب سنة 1916م وبالضبط في مدينة فاس وكانت له هناك قصص ومآثر ومما يقوله في إحدى قصائده التي نظمها هناك:
قدر الله أن أعيش غريبا ** في بلاد أساق كرهـا إليها
وبفكري خدرت المعاني **ضربت آيات الحجاب عليها
ثم عاد سنة 1918م إلى الجزائر لكنه لم يجد عمه سي يوسف الذي توفي سنة 1917م ليتولى هو شؤون الزاوية وكان له قبل ذلك فرع زاوية في “المكيمن” قرب مدينة مسعد، وله أيضا في الصحراء مساكن مثل بريش والقويسي والقاعو وغيرها، ثم سجن في الأغواط وأطلق سراحه، ولما كثر استفزازه للفرنسيين في تلك المنطقة لما كانت لديه فرقة مسلحة تجوب الصحراء حيث اشتبك سنة 1923م مع قافلة فرنسية بمنطقة “طزيوة” نواحي مدينة تقرت حيث قتل أحد الجنود الفرنسيين و تعرض للمطاردة وصار مطلوبا لدى فرنسا وهدمت منازله الموجودة في الصحراء انتقاما منه، وأُلقي عليه القبض في تقرت مرة أخرى لكن أُطلق سراحه حيث كفله أحد أعيان المنطقة، وللمرة الأخيرة أُلقي عليه القبض سنــة 1930م وحـكم عليه بالإعـدام يوم 14 يوليو 1931م ليقدم كقربان بمنـاسبة العيد الوطــني الفـرنسي.
الشيخ سي عبد الرحمن كان شيخا زاهدا تقيا ورعا ورجلا شجاعا شهما وسخيا كريما وهذا ما جعله معروفا بالمنطقة وله أنصار وإخوان من كل القبائل فقد كسب القلوب بما يملكه من أخلاق ولعل الشهرة التي يحظى بها إلى غاية الـيوم لهي خير دليل على ذلك، وفي الجانب الآخر فقد كان أديبا وشاعرا وله قصائد عدة سواء في الشعر الفصيح أو الشعر الشعبي (الملحون) وقصائده موجودة إلى اليوم وضاع منها الكثير، وفي شعره تكلم عن جميع نواحي الحياة، فتارة يصف الناس وتارة يصف الطبيعة والبلدان وتارة يتكلم عن الدهر وتقلباته، وتارة يقول قصائد في الزهد والحث على الذكر وغيرها من المجالات.